📁 آخر المقالات

المطالبات Claims في عقود التشييد والبناء: تحديات وحلول

تحديات المطالبات في عقود التشييد والبناء: الأسباب، الآثار، والإدارة الفعالة

تُعد المطالبات الناشئة عن عقود التشييد واحدة من أبرز التحديات التي تواجه صناعة التشييد والبناء عالمياً. لا يكاد يخلو مشروع من وجود مطالبات، وذلك يعود إلى طبيعة مشاريع التشييد والبناء التي تتصف بـطول مدة إنجازها، والتعقيد المتزايد في مراحل التنفيذ، والتعرض المستمر لحالة عدم التأكد على امتداد فترة المشروع. تتفاقم هذه التحديات مع المستويات الجديدة لـالمواصفات القياسية، وتطبيق التقنيات المتقدمة، بالإضافة إلى رغبات المالك المستمرة في الإضافة والتعديل، وتغير أسعار مدخلات البناء، وأحياناً عدم وجود تصميم كامل أو واضح في المراحل الأولية.

دورة المطالبات في مشاريع التشييد والبناء

مفهوم المطالبات في عقود التشييد والبناء

تُعرف المطالبة (Claim) في عقود التشييد والبناء بأنها: "طلب مشفوع بالوثائق ومدعم بالأسباب والبراهين، يقدمه المقاول إلى صاحب العمل طالباً فيه تمديد مدة العقد المحددة، أو دفع مبلغ إضافي من المال زيادة على القيمة التعاقدية الأصلية للأعمال أو كليهما معاً، وذلك كتعويض عادل عن قيام صاحب العمل بتغييرات أو إضافات في العمل، أو تأخير في تسليم المواد أو توفير مواد أو خدمات، أو تعرض المقاول لأي خسائر أو تكاليف إضافية نتيجة لأي سبب آخر خارج عن إرادته ومتعلق بمسؤوليات المالك."

لا تقتصر المطالبات على المقاولين فقط، فقد يقدم المالك أيضاً مطالبات ضد المقاول في حالات الإخلال بالعقد، التأخير في التنفيذ، أو سوء جودة العمل.


متى يحق للمقاول المطالبة بتعويض؟

بشكل عام، يحق للمقاول المطالبة بتعويض عندما يتم إضافة أعمال جديدة للعقد (عبر أوامر التغيير مثلاً) أو يتم تغيير شروط العقد بطريقة تؤدي إلى زيادة في التكاليف أو تأخير في المشروع. كما يحق للمقاول المطالبة بتعويض عندما يتم تعريضه لأي خسائر أو أضرار بسبب العميل (المالك)، أو تأخير في الدفعات المستحقة له، أو عدم توفير معلومات/مستندات أساسية في الوقت المناسب. من المهم جداً أن يتم توثيق جميع المطالبات والتعويضات بشكل جيد وفقًا للشروط والأحكام المتفق عليها بين الطرفين في العقد، وأن يتم الالتزام بالإشعارات والمهل الزمنية المحددة لتقديم المطالبات.


أسباب نشوء المطالبات في مشاريع التشييد

تنشأ المطالبات نتيجة لعدة عوامل، وغالباً ما تتداخل هذه الأسباب. يمكن تصنيف الأسباب الرئيسية لنشوء المطالبات بناءً على الطرف المسؤول عنها أو طبيعة الحدث:

أسباب نشوء المطالبات في مشاريع البناء

أسباب تعود إلى المهندس الاستشاري أو المصمم:

  • عدم الالتزام بالأصول الفنية: مثل وضع تصاميم أو رسومات أو قياسات غير دقيقة أو غير مكتملة، مما يتطلب تعديلات متكررة أثناء التنفيذ.
  • أخطاء فنية أو تقنية: أخطاء في التصميم تؤدي إلى تأخر العمل أو الحاجة لإعادة تنفيذ أجزاء منه.
  • تأخر في إصدار التصاريح أو الاعتمادات: تأخير الاستشاري في مراجعة واعتماد المخططات أو المواد، مما يعيق تقدم العمل.

أسباب تعود إلى المالك (صاحب العمل):

  • التأخير في تسليم الموقع: عدم توفير الموقع للمقاول في الوقت المحدد أو وجود عوائق تمنعه من البدء بالعمل.
  • التأخر في دفع المستحقات المالية: عدم سداد الدفعات للمقاول في المواعيد المتفق عليها، مما يؤثر على التدفقات النقدية للمقاول وقدرته على الاستمرار.
  • التغييرات والإضافات المتكررة: طلب المالك لتغييرات أو إضافات جديدة غير متفق عليها مسبقاً، مما يزيد التكاليف والمدة.
  • الامتناع عن استلام العمل: رفض استلام البناء بعد إتمامه أو تأخير الاستلام دون مبرر.
  • عدم توفير مواد أو خدمات: تأخر المالك في توفير مواد أو معدات أو خدمات كانت من مسؤوليته التعاقدية.
  • عدم احترام التزامات العقد: الإخلال بأي شرط أو التزام وارد في العقد من جانب المالك.

أسباب تعود إلى المقاول:

  • الإخلال بالالتزامات التعاقدية: عدم التزام المقاول ببنود العقد أو جدول العمل.
  • تنفيذ أعمال البناء على خلاف المواصفات: عدم الالتزام بـالمواصفات والشروط المتفق عليها أو استخدام مواد رديئة الجودة.
  • تعدي أو إهمال مواد البناء: سوء إدارة أو إتلاف مواد البناء المقدمة من المالك.
  • سوء الإدارة أو التخطيط: ضعف الإدارة الداخلية للمقاول يؤدي إلى تأخيرات أو زيادة تكاليف.

أسباب تعود لظروف خارجية أو قوة قاهرة:

  1. الكوارث الطبيعية: مثل الزلازل أو الفيضانات التي تؤثر على سير العمل أو تسبب أضراراً للمشروع.
  2. الأحوال الجوية القاسية: الظروف الجوية غير المتوقعة (مثل العواصف الثلجية أو الأمطار الغزيرة) التي تعيق التقدم.
  3. التغييرات في القوانين واللوائح: فرض قوانين أو لوائح جديدة تؤثر على المشروع وتتطلب تعديلات في التصميم أو التنفيذ.
  4. تغيرات في الأسعار والتكاليف: الارتفاع المفاجئ في أسعار المواد الخام أو تكاليف العمالة، خارج نطاق التوقعات المعقولة.
  5. عدم توفر المواد أو الخدمات: تأخير في توفير المواد أو الخدمات المطلوبة من قبل موردين أو جهات حكومية خارجية.
  6. الأحداث السياسية أو الاضطرابات الاجتماعية: التي تؤثر على استقرار العمل أو سلسلة التوريد.

آثار نشوء المطالبات على مشاريع التشييد والبناء

يؤدي نشوء المطالبات في مشاريع التشييد والبناء إلى العديد من الآثار السلبية التي تتجاوز مجرد التعويض المالي، وتؤثر على المشروع وجميع الأطراف المتعاقدة:

  • زيادة التكاليف: تُعد الزيادة في التكاليف المالية للمشروع الأثر المباشر والأكثر وضوحاً، بسبب الحاجة إلى دفع مبالغ إضافية لتغطية المطالبات المُعتمدة.
  • تأخير المشروع: تؤدي المطالبات غالباً إلى تأخير المشروع وتأخر تسليمه في الوقت المحدد، حيث يتطلب التعامل معها وقتاً وجهداً لمراجعتها، التفاوض بشأنها، والتأكد من صحتها وتأثيرها.
  • زيادة المنازعات والخلافات: تُصعد المطالبات من حدة المنازعات بين الأطراف المتعاقدة، بسبب عدم الاتفاق على صحة المطالبة أو على الحلول المناسبة لها، مما قد يؤدي إلى اللجوء لآليات حل النزاعات.
  • تأثير سلبي على العلاقات بين الأطراف: تؤثر الخلافات الناشئة عن المطالبات سلباً على العلاقات المهنية بين الأطراف المتعاقدة، مما يعيق سير العمل ويقلل من التعاون في المستقبل.
  • تأثير سلبي على سمعة الشركة: قد يؤثر كثرة المطالبات سلباً على سمعة الشركة (سواء المقاول أو المالك) في السوق، مما يعكس عدم القدرة على إدارة المشروع بفعالية وتجنب النزاعات.
  • تأثير سلبي على جودة العمل: قد يؤدي التركيز على إدارة المطالبات واستنزاف الموارد في حلها إلى تحويل الانتباه عن إنجاز العمل بـجودة عالية، مما قد يؤثر على المنتج النهائي.

لذلك، يجب على جميع أطراف العقد العمل بجد لتجنب نشوء المطالبات في مشاريع التشييد والبناء، وذلك باتباع إجراءات مناسبة لإدارة المشروع بفعالية وتجنب الخلافات بين الأطراف المتعاقدة.


تصنيفات المطالبات في عقود التشييد والبناء

يمكن تصنيف المطالبات في عقود التشييد والبناء بعدة طرق، بناءً على جوانب مختلفة:

  • المجموعة الأولى: حسب أهدافها

    تُصنف المطالبات هنا إلى نوعين أساسيين:

    1. المطالبة بـالوقت الإضافي (تمديد مدة العقد).
    2. المطالبة بـمبالغ إضافية (تعويض مالي) ناشئة عن العقد.
  • المجموعة الثانية: حسب أسسها القانونية

    تُصنف المطالبات بناءً على البنود القانونية في العقد التي تستند إليها، مثل المطالبات التعاقدية (المنصوص عليها صراحة في العقد) أو شبه التعاقدية (التي تنشأ عن مبادئ الإنصاف والعدالة). يتطلب هذا التصنيف فهماً عميقاً للقانون المدني وقانون العقود.

  • المجموعة الثالثة: حسب طبيعة الحدث

    تُصنف المطالبات هنا إلى أربعة أنواع رئيسية، وهي الأكثر شيوعاً في الممارسة العملية:

    • مطالبة التأخير (Delay Claim): عندما يتأثر الجدول الزمني للمشروع بسبب أحداث خارجة عن سيطرة المقاول، مثل تأخر المالك في تسليم الموقع أو الرسومات، أو ظروف جوية سيئة غير متوقعة.
    • مطالبة نطاق العمل (Scope of Work Claim): تنشأ عندما يكون هناك تغيير في نطاق العمل المتفق عليه أصلاً، سواء بإضافة أعمال جديدة، أو تعديل مواصفات موجودة، أو حذف أجزاء من العمل. تتطلب هذه المطالبات غالباً أوامر تغيير (Change Orders).
    • مطالبة التعجيل (Acceleration Claim): عندما يُطلب من المقاول تسريع وتيرة العمل لإنهاء المشروع قبل الموعد المحدد أو لتعويض تأخير سابق، مما يؤدي إلى تكاليف إضافية (مثل العمل لوقت إضافي، زيادة الموظفين، أو استخدام معدات أكثر).
    • مطالبة تغيير الموقع (Site Condition Claim): تحدث عندما تختلف الظروف الفعلية للموقع بشكل جوهري عن ما كان متوقعاً أو موصوفاً في وثائق العقد (مثل اكتشاف تربة غير مناسبة أو مواد خطرة لم تكن معلومة).

إدارة المطالبات في مشاريع التشييد

تُعرف إدارة المطالبات (Claims Management) بأنها العملية الشاملة للتعامل مع المطالبات المالية والقانونية التي تنشأ في عقود التشييد والبناء. تشمل هذه العملية المطالبات المرتبطة بالوقت والمطالبات المرتبطة بالمبالغ الإضافية، وتهدف إلى:

  • تحديد المطالبات المستحقة: التعرف على الأحداث التي قد تؤدي إلى مطالبة وتقييم مدى أحقية الطرف في تقديمها.
  • تقديم المطالبات بشكل صحيح وفي الوقت المناسب: الالتزام بالمتطلبات التعاقدية والمهل الزمنية لتقديم الإشعارات والمطالبات.
  • تحديد المسؤوليات والحقوق: تحليل العقد والقوانين المعمول بها لتحديد مسؤوليات كل طرف وحقوقه المتعلقة بالمطالبة.
  • التعامل مع المنازعات: حل الخلافات المتعلقة بالمطالبات بشكل فعال، سواء من خلال التفاوض أو الوساطة أو التحكيم.

الإدارة الفعالة للمطالبات تقلل من المخاطر المالية والزمنية للمشروع، وتحافظ على علاقات عمل جيدة بين الأطراف.


توثيق المطالبات: حجر الزاوية

يُعد توثيق المطالبات (Claim Documentation) عنصراً حاسماً في أي عملية مطالبة ناجحة. يتم ذلك عن طريق جمع وثائق وبراهين تدعم المطالبة بشكل قاطع، ويشمل ذلك مجموعة واسعة من المستندات مثل:

  • العقد: النسخة الأصلية وأي تعديلات أو ملاحق عليه.
  • الجداول الزمنية: الجداول الأصلية والمُحدثة للمشروع.
  • التقارير الفنية والمالية: تقارير التقدم، تقارير الجودة، تقارير المصروفات، تقارير القوى العاملة والمعدات.
  • المراسلات والتواصل الرسمي: رسائل البريد الإلكتروني، الخطابات الرسمية، محاضر الاجتماعات، سجلات المكالمات الهامة.
  • سجلات الموقع: تقارير العمل اليومية، سجلات الطقس، صور وفيديوهات للموقع قبل وأثناء وبعد الأحداث المسببة للمطالبة.
  • رسومات ومواصفات المشروع: النسخ المعتمدة وأي مراجعات عليها.
  • أوامر التغيير (Change Orders): جميع الأوامر الصادرة والموافقات المتعلقة بها.

يجب أن تكون هذه الوثائق موثقة بشكل جيد ومنظمة بطريقة يسهل الوصول إليها وفهمها، ويفضل أن تكون مرتبطة بشكل وثيق بالمطالبة المقدمة. يمكن استخدام البرامج الحاسوبية المخصصة لإدارة المطالبات وتوثيقها لتسهيل هذه العملية وتحسين كفاءتها. يجب أن يتم توثيق المطالبات بشكل دقيق ومنظم وفقاً لـالمعايير والممارسات القانونية والتعاقدية المعمول بها في البلد المعني.


خطوات توثيق المطالبة الفعال

على الرغم من أن الخطوات المحددة لتوثيق المطالبات قد تختلف بين العقود والمشاريع المختلفة، إلا أن هناك بعض الخطوات العامة التي يمكن اتباعها لتوثيق المطالبات بشكل فعال لضمان قوتها ومصداقيتها:

  1. جمع الوثائق والبراهين: ابدأ بتجميع كل المستندات ذات الصلة بالمطالبة، مثل العقد، المخططات، المراسلات، تقارير التقدم، سجلات الموقع، أوامر التغيير، وصور وفيديوهات توضح الوضع.
  2. تنظيم الوثائق: قم بترتيب الوثائق والبراهين بشكل منطقي ومنظم (حسب التاريخ، الموضوع، والأهمية)، لسهولة الوصول إليها واستعراضها.
  3. تحديد المطالبة بدقة: حدد طبيعة المطالبة بوضوح، المبالغ المالية المطلوبة (إذا كانت مطالبة مالية)، والمدة الإضافية اللازمة (إذا كانت مطالبة زمنية). كن محدداً وواقعياً.
  4. إعداد تقرير المطالبة: قم بإعداد تقرير شامل للمطالبة يتضمن:
    • وصفاً مفصلاً للحدث الذي أدى إلى المطالبة.
    • تحليلاً لكيفية تأثير هذا الحدث على المشروع (زمنياً ومالياً).
    • الإشارة إلى البنود التعاقدية التي تدعم المطالبة.
    • المبالغ والتوقيتات المطلوبة مع الشرح التفصيلي لكيفية حسابها.
    • قائمة بالوثائق الداعمة المرفقة.
  5. تقديم المطالبة رسمياً: قدم المطالبة بشكل رسمي إلى الجهة المعنية بالعقد (غالباً المالك أو ممثله)، مع التأكد من أنها تحتوي على جميع الوثائق والبراهين اللازمة، وأنها تتوافق مع المعايير القانونية والتعاقدية. احرص على الحصول على إثبات الاستلام.
  6. تحديد الأطراف المعنية: تأكد من تحديد جميع الأطراف المعنية بـالمطالبة (مالك، مقاول، استشاري، مقاول باطن) بشكل دقيق في الوثائق.
  7. تحديد المواعيد الهامة: سجل المواعيد الهامة المتعلقة بـالمطالبة، مثل تاريخ تقديم المطالبة، الموعد النهائي للرد عليها، وتاريخ الدفع المتوقع.
  8. توثيق التفاصيل الإضافية: وثق أي تفاصيل إضافية قد تكون ذات صلة، مثل الأضرار غير المباشرة، الخسائر الإنتاجية، أو التكاليف المتعلقة بمعالجة الآثار السلبية للحدث.

إعداد وتقديم المطالبة: نهج منهجي

يُعد إعداد المطالبة وتقديمها بشكل مدروس ومنظم وفعال أمراً بالغ الأهمية لزيادة فرص نجاحها. يتطلب ذلك دمج عناصر التوثيق مع تحليل متعمق وتقديم مقنع:

إعداد المطالبة:

تتضمن عملية إعداد المطالبة عدة خطوات أساسية لضمان شموليتها وقوتها:

  1. تحديد الأسباب الجذرية: تحديد الأسباب التي تستدعي المطالبة بوضوح وتفصيل، وربطها بالأحداث الفعلية التي وقعت في المشروع.
  2. تحليل التأثير الزمني: إعداد قائمة بفترات التأخير في المشروع، مع شرح ظروف التأخير وسببه ومدى تأثيره لكل حالة على حدة. يجب مراجعة وتحديث جدول المشروع الزمني (باستخدام تقنيات تحليل التأخير) وحساب التأخير الناتج عن كل حالة بدقة.
  3. تحديد وتقدير القيمة المالية: تحديد قيمة المطالبة المالية بدقة، وتوضيح الأسس والمعايير المستخدمة في حسابها. يجب أن يشمل ذلك التكاليف الإضافية الناتجة عن التأخير، تغييرات العقد، أخطاء التصميم، أو نقص المواد. تشمل هذه التكاليف غالباً:
    • تكاليف العمالة والمعدات المعطلة.
    • الإيجارات والتأمينات والضرائب لفترة التأخير.
    • الأرباح والفوائد المفقودة.
    • تكاليف المواد الإضافية أو المتغيرة.
  4. توثيق المطالبة بالأدلة: توثيق المطالبة بالوثائق والبراهين المناسبة التي تدعم كل نقطة تم ذكرها.
  5. شرح تتابع الأحداث: القدرة على شرح تتابع الأحداث بشكل منطقي ومقنع، وربط كل حدث بتأثيره على المشروع.
  6. توضيح الإجراءات المتخذة للتخفيف: شرح الإجراءات التي اتخذها المقاول (أو الطرف المدعي) للحد من الأضرار والخسائر وتقليل التأثير السلبي للحدث المسبب للمطالبة.

تقديم المطالبة:

أما بالنسبة لطريقة تقديم المطالبة، فيجب على المقاول (أو أي طرف مدعٍ) تقديم المطالبة بشكل رسمي ومدعوم بالوثائق والبراهين المناسبة إلى الجهة المعنية بالعقد (عادة صاحب العمل أو ممثله، مثل المهندس الاستشاري). يجب أن تتضمن المطالبة:

  • تفاصيل دقيقة حول الأسباب التي تستدعي المطالبة.
  • المبالغ المطلوبة والمدة المطلوبة لإنجاز العمل المطلوب.
  • توقيع المقاول وتاريخ تقديمها.
  • يفضل أن تكون المطالبة مرفقة بنسخة من العقد وأي وثائق أخرى ذات صلة (المشار إليها في تقرير المطالبة).

الالتزام بالمهل الزمنية المحددة في العقد لتقديم الإشعارات والمطالبات هو أمر حيوي لضمان قبول المطالبة وعدم رفضها لأسباب إجرائية.


تحليلات التكلفة في المطالبات: مفتاح النجاح

تُعد تحليلات التكلفة (Cost Analysis) أساسية في تقديم المطالبات. بعض المقاولين قد ينجحون في تقديم الادعاءات من حيث المبدأ، ولكن يفشلون في تحليل التكلفة بشكل كافٍ أو تقديرها بشكل خاطئ، مما يضيع الجهد المبذول ويؤدي إلى رفض المطالبة أو تسوية غير مرضية.

يُعد طلب مبالغ مبالغ فيها من التكلفة خطأ شائعاً. عندما يطالب المقاول بمبلغ أكبر بكثير من المبلغ المستحق فعلياً، قد يؤدي ذلك إلى فقدان المصداقية ورفض الطلب بالكامل، أو تقديم عرض تسوية بمبلغ أقل بكثير، مما قد يؤدي إلى نزاع أو تسوية غير عادلة. على سبيل المثال، قد يبالغ المقاول في تقدير المصاريف غير المباشرة أو الأجور بالساعة للعاملين أو قيمة المعدات المعطلة.

لضمان مصداقية المطالبة، يجب تقديم الوثائق التي تدعم صحة التكاليف المستحقة وتجنب المبالغة في تقييمها. الشفافية والدقة في حساب التكاليف المباشرة وغير المباشرة، مع تقديم الفواتير وسجلات الدفع ودفاتر الحضور والانصراف، هي عناصر أساسية لكسب ثقة الطرف الآخر والمحكمين أو القضاة في حال تصعيد النزاع.


دور المعايير الدولية للعقود في إدارة المطالبات (FIDIC, AIA)

تلعب المعايير الدولية للعقود دوراً محورياً في صناعة التشييد العالمية، حيث توفر إطاراً موحداً وواضحاً للعلاقات التعاقدية وإدارة المطالبات. من أبرز هذه المعايير:

  • عقود FIDIC (الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين): تُعتبر عقود FIDIC (خاصة الكتاب الأحمر والأصفر والفضي) المعيار الذهبي للعقود الإنشائية الدولية. توفر هذه العقود آليات مفصلة ومحددة لـتقديم وإدارة المطالبات.
    • الوضوح والشفافية: تحدد عقود FIDIC بوضوح إجراءات الإخطار، المهل الزمنية لتقديم المطالبات والرد عليها، وعملية تسوية النزاعات. هذا الوضوح يقلل من الغموض ويفرض الانضباط على جميع الأطراف.
    • دور المهندس/إدارة المشروع: تُسند عقود FIDIC دوراً حاسماً للمهندس أو إدارة المشروع في تقييم المطالبات بشكل مستقل وعادل، مما يقلل من فرص النزاع المباشر بين المالك والمقاول.
    • مجلس فض النزاعات (DAB/DAAB): توفر عقود FIDIC آلية لتسوية النزاعات في مراحلها المبكرة من خلال مجلس فض النزاعات، وهو هيئة محايدة مكونة من خبراء فنيين وقانونيين، تهدف إلى تقديم قرارات سريعة وملزمة (ما لم يتم الاعتراض عليها) قبل اللجوء إلى التحكيم. هذا يسرّع حل النزاعات ويقلل التكاليف.
    • بناء القدرات: يُشجع استخدام عقود FIDIC الأطراف على فهم أفضل للالتزامات التعاقدية وآليات المطالبات، مما يرفع من مستوى الاحترافية في إدارة المشاريع.
  • عقود AIA (المعهد الأمريكي للمعماريين): تُستخدم عقود AIA بشكل واسع في الولايات المتحدة، وتقدم أيضاً إطاراً منظماً للتعامل مع المطالبات والتغييرات.
    • توضيح الأدوار والمسؤوليات: تحدد عقود AIA بوضوح أدوار ومسؤوليات المالك، المقاول، والمعماري (الذي يلعب دوراً مشابهاً للمهندس في FIDIC) فيما يتعلق بإدارة التغييرات والمطالبات.
    • إجراءات أوامر التغيير: توفر إجراءات مفصلة لإدارة أوامر التغيير وتأثيرها على الجدول الزمني والتكلفة، مما يساعد على منع تحول التغييرات إلى مطالبات معقدة.
    • الوساطة والتحكيم: تشجع عقود AIA على استخدام الوساطة والتحكيم كوسائل أساسية لحل النزاعات، مما يجنب الأطراف تكاليف وطول إجراءات التقاضي.

باختصار، توفر هذه المعايير الدولية أساساً قوياً للعلاقات التعاقدية، وتعمل كدليل إجرائي لـ**إدارة المطالبات** و**حل النزاعات**، مما يساهم بشكل كبير في تقليل الغموض، تعزيز العدالة، وزيادة فرص نجاح المشروع.


أخلاقيات المطالبات: الشفافية والعدالة

لا تقتصر المطالبات في مشاريع التشييد على الجوانب القانونية والمالية والفنية فحسب، بل تمتد لتشمل جوانب أخلاقية بالغة الأهمية. إن الالتزام بـالأخلاقيات المهنية في تقديم وتقييم المطالبات يُعد حجر الزاوية للحفاظ على علاقات عمل صحية ومستدامة في الصناعة:

  • الشفافية والصدق: يجب أن تستند المطالبات إلى حقائق موثقة وبيانات دقيقة. أي محاولة لـتضخيم المطالبة، إخفاء معلومات جوهرية، أو تقديم معلومات مضللة، تُعد سلوكاً غير أخلاقي ويضر بمصداقية الطرف المدعي. الشفافية تبني الثقة وتسهل عملية التفاوض.
  • العدالة والإنصاف: يجب أن تكون المطالبة عادلة ومعقولة، تعكس فقط الأضرار أو التكاليف الفعلية التي تكبدها الطرف نتيجة للحدث المسبب للمطالبة. المبالغة في التقدير أو المطالبة بمبالغ لا تستند إلى أسس واقعية لا تؤدي إلا إلى تأخير حل النزاعات وتصعيدها.
  • تأثير المبالغة على العلاقات والسمعة: تقديم مطالبات غير مبررة أو مبالغ فيها يمكن أن يؤثر سلباً بشكل كبير على العلاقات المستقبلية بين الأطراف. الشركات التي تُعرف بممارسات المطالبات غير العادلة قد تواجه صعوبة في الحصول على عقود مستقبلية أو العمل مع نفس الشركاء. هذا يؤدي إلى تآكل سمعة الشركة في السوق، وقد ينعكس ذلك على فرص العمل والقدرة التنافسية.
  • المسؤولية المهنية: يجب على كل طرف، سواء كان مقاولاً، مالكاً، أو استشارياً، أن يتحمل مسؤوليته المهنية في التعامل مع المطالبات بإنصاف، والبحث عن حلول عادلة تخدم مصلحة المشروع ككل، وليس فقط المصلحة الذاتية.

باختصار، الالتزام بالأخلاقيات في إدارة المطالبات يعزز من بيئة العمل الإيجابية، يقلل من النزاعات، ويساهم في بناء سمعة قوية وموثوقة لجميع الأطراف المعنية في صناعة التشييد.


التدريب وبناء القدرات: الاستثمار في الكفاءة

تُعد المطالبات جزءاً لا مفر منه في مشاريع التشييد، ولكن إدارة هذه المطالبات بفعالية تتطلب معرفة ومهارات متخصصة. لذلك، فإن التدريب وبناء القدرات لفرق المشروع يُعد استثماراً حيوياً لتقليل المخاطر وتحقيق أفضل النتائج:

  • للمقاولين:
    • فهم العقود: تدريب مديري المشاريع، المهندسين، ومديري العقود على فهم دقيق لبنود العقد المتعلقة بالمطالبات، والإشعارات، والمهل الزمنية.
    • التوثيق الفعال: تعليم أفضل الممارسات في توثيق الأحداث اليومية، التغييرات، والتأخيرات لإنشاء سجلات قوية تدعم أي مطالبة مستقبلية.
    • تحليل المطالبات: تدريب الفرق على كيفية تحليل تأثير الأحداث زمنياً ومالياً، وكيفية إعداد المطالبات بشكل منهجي ومقنع.
    • مهارات التفاوض: تطوير مهارات التفاوض لديهم للوصول إلى تسويات عادلة مع الطرف الآخر.
  • للمالكين والاستشاريين:
    • تقييم المطالبات: تدريب الفرق على كيفية تقييم المطالبات المقدمة من المقاولين بشكل عادل وموضوعي، والتحقق من صحة المستندات والأسباب.
    • إدارة المخاطر: تعزيز قدرتهم على تحديد المخاطر المحتملة التي قد تؤدي إلى مطالبات في المراحل المبكرة للمشروع ووضع خطط للتخفيف منها.
    • إصدار أوامر التغيير: تعليم الإجراءات الصحيحة لإصدار أوامر التغيير وتوثيقها لتجنب تحولها إلى مطالبات.
    • حل النزاعات: تدريبهم على آليات حل النزاعات المختلفة (الوساطة، التحكيم) وكيفية التعامل معها بفعالية.

إن الاستثمار في تدريب الكوادر البشرية لا يقلل فقط من احتمالية نشوء المطالبات والنزاعات، بل يزيد أيضاً من كفاءة إدارة المشروع بشكل عام، ويساهم في بناء ثقافة احترافية مبنية على الفهم المشترك والتعاون.


قائمة مراجعة سريعة لـإدارة المطالبات

تُعد هذه القائمة دليلاً سريعاً يمكن استخدامه من قبل المقاولين أو المالكين عند التعامل مع المطالبات، سواء لإعدادها أو تقييمها أو حتى لتجنبها:

عند إعداد المطالبة (للمقاول):

  1. الإشعار الفوري: هل قمت بإرسال إشعار فوري للجهة المعنية بالحدث المسبب للمطالبة ضمن المدة الزمنية المحددة في العقد؟
  2. جمع الوثائق: هل جمعت كل المستندات الداعمة (عقد، مراسلات، تقارير يومية، صور، جداول زمنية)؟
  3. تحديد السبب والتأثير: هل حددت بوضوح سبب المطالبة وكيف أثرت على الجدول الزمني و/أو التكاليف؟
  4. حساب دقيق: هل تم حساب القيمة المالية للمطالبة بدقة، وهل هي مدعومة بفواتير وسجلات واضحة؟
  5. خطة التخفيف: هل أظهرت الإجراءات التي اتخذتها لتقليل الأضرار الناتجة عن الحدث؟
  6. الصيغة الرسمية: هل تم تقديم المطالبة في الصيغة الرسمية المطلوبة في العقد (كتابياً، مع التوقيع، وإثبات الاستلام)؟
  7. المراجعة القانونية/الاستشارية: هل راجعت المطالبة مع مستشار قانوني أو خبير في المطالبات؟

عند تقييم المطالبة (للمالك/الاستشاري):

  1. صلاحية الإشعار: هل تم تقديم الإشعار بالمطالبة ضمن المدة الزمنية المحددة في العقد؟
  2. الأساس التعاقدي: هل المطالبة تستند إلى بند تعاقدي محدد أو مبدأ قانوني واضح؟
  3. الوثائق الداعمة: هل الوثائق المقدمة كافية وموثوقة لدعم المزاعم؟
  4. تحليل التأثير: هل تحليل التأثير الزمني والمالي للمطالبة منطقي وواقعي؟
  5. تخفيف الأضرار: هل أظهر المقاول أنه اتخذ إجراءات لتخفيف الأضرار؟
  6. الأخلاقيات: هل المطالبة تبدو معقولة وغير مبالغ فيها من الناحية الأخلاقية والواقعية؟
  7. سوابق المشروعات: هل هناك سوابق مشابهة في هذا المشروع أو مشاريع أخرى يمكن الرجوع إليها؟

لتجنب المطالبات (لجميع الأطراف):

  1. عقود واضحة: هل العقد واضح وشامل ويغطي جميع السيناريوهات المحتملة للمطالبات؟
  2. تخطيط دقيق: هل تم التخطيط للمشروع وتصميمه بدقة لتجنب الأخطاء والتغييرات؟
  3. تواصل فعال: هل هناك قنوات تواصل مفتوحة وشفافة بين جميع الأطراف؟
  4. إدارة أوامر التغيير: هل هناك آلية واضحة ومتبعة لإدارة أوامر التغيير قبل أن تصبح مطالبات؟
  5. التوثيق المستمر: هل يتم توثيق جميع الأحداث والمراسلات والتقدم في العمل بشكل يومي؟
  6. مراجعة المخاطر: هل تتم مراجعة وتحديث سجل المخاطر بشكل دوري؟
  7. حل النزاعات المبكر: هل يتم التعامل مع الخلافات وحلها ودياً في مراحلها الأولى؟

النتائج المحتملة للمطالبات والنزاعات

غالباً ما تكون النتائج الناتجة عن النزاعات سلبية ومكلفة لجميع الأطراف. فبالإضافة إلى الخسائر المالية وتأخير المشروع، يمكن أن تؤدي إلى تآكل الثقة، تدهور العلاقات المهنية، وحتى الإضرار بسمعة الشركات. لذا، فإن حل النزاعات بطريقة سليمة وسريعة من خلال التحكيم أو التفاوض أو الوساطة أمر ضروري للحفاظ على المشروع وجميع الأطراف المعنية.


الخلاصة

تُعد المطالبات في عقود التشييد جزءاً لا يتجزأ من صناعة البناء المعقدة. إن فهم وإدارة المطالبات بفعالية لا يقلل فقط من النزاعات والتكاليف الزائدة، بل يساهم بشكل مباشر في نجاح المشروع واستدامته. توثيق المطالبات وتقديمها بطريقة منظمة ومدعومة بالأدلة يمكن أن يساعد في تحقيق العدالة، تجنب النزاعات الطويلة، والحفاظ على علاقات عمل إيجابية بين جميع الأطراف المتعاقدة.


الأسئلة الشائعة حول المطالبات في مشاريع التشييد

هي طلب رسمي وموثق يقدمه المقاول لصاحب العمل، يطالب فيه بتمديد المدة الزمنية للمشروع أو بدفع مبلغ مالي إضافي (أو كليهما)، كتعويض عن تأثير أحداث أو تغييرات خارجة عن سيطرته أو ناتجة عن تصرفات المالك.

يحق للمقاول المطالبة بتعويض عند إضافة أعمال جديدة للعقد، أو تغيير شروطه مما يزيد التكاليف أو يؤخر المشروع، أو تعرضه لخسائر أو أضرار بسبب المالك أو تأخر الدفعات المستحقة. يجب توثيق كل هذه الحالات بدقة.

تشمل الأسباب الرئيسية: التأخير في تسليم الموقع أو التصاريح أو الدفعات، التغييرات المتكررة في التصميم والمواصفات، الأخطاء الفنية في التصميم، ظروف الموقع غير المتوقعة، ارتفاع أسعار المواد والعمالة، والكوارث الطبيعية أو الأحداث السياسية.

يتم توثيق المطالبة بجمع وتنظيم جميع الوثائق والبراهين ذات الصلة مثل العقد، التعديلات، الجداول الزمنية، التقارير الفنية والمالية، والمراسلات الرسمية، ثم تقديمها بشكل دقيق ومفصل للجهة المعنية وفقًا للشروط التعاقدية.

تؤدي المطالبات إلى زيادة التكاليف وتأخير المشروع، وزيادة النزاعات وسوء العلاقات بين الأطراف، وتأثير سلبي على سمعة الشركات وجودة العمل المنجز.


اقرأ أيضاً